لعل الاستثمار في البديل الوطني، أجدى من الاستثمار في إنهاء الانقسام
- nadinehsanders7
- 25 مارس 2023
- 4 دقيقة قراءة
كتب ناصر دمج (مقال رأي)
مما لا شك فيه، أن انفصال الضفة الغربية عن قطاع غزة، شكل تجسيداً لأحد تطلعات (إسرائيل) الاستراتيجية، المنادية بتجزئة الوطن الفلسطيني، وإدخاله مرحلة الاضمحلال الجغرافي الذي يؤدي إلى ضمور ديمغرافي موازي ومتسق معه على المدى البعيد؛ وهو نهج يحث خطاه إلى جانب خطط ضم المنطقة (ج) في الضفة الغربية، وفصل القدس المحتلة عن محيطها الفلسطيني، الذي سينتج عنه بالضرورة فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها.

وأخطر ما في انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية، أن من نفذه يعتبره نصراً له على خصومه الوطنين، لتمكنه من طردهم من معقلهم التاريخي، وفوزه بقضمة كبيرة من كعكة الوطن والفرار بها إلى أعلى الشجرة، بالمقابل لم تبذل (فتح) ما يكفي من جهد لاسترداد معقلها التاريخي ومهد انطلاقتها، وخزانها البشري والتنظيمي، وهي حقيقة متوفرة لدى حركة حماس أيضاً، ومنحتها ما يلزمها من دوافع لحسم أمر هوية معقلها التاريخي، وعرين قادتها المؤسسون، لأن جيل الرواد المؤسسون لحركة حماس، مقتنعون بأنها فكرة وصناعة وتطبيق غزاوي بامتياز، وهي نفس الحقيقة التي سكنت عقول جيل الأباء المؤسسون لفتح، وهي نفسها كانت سبباً للانشقاق العظيم في فتح عام 1983م، وخروج طائفة وازنة من قادة فتح من أبناء وسكان الضفة الغربية؛ لاحساسهم بالتهميش والاقصاء من قبل نظراءهم الفتحاويون الغزاويون، وعلى هدى هذه الحقيقة التي تنضج على مهل داخل حماس، سنسمع ذات يوم عن انفصال حماس الضفة عن حماس غزة خلال السنوات القادمة.
إذن، نحن نتحدث عن الانشقاق والانقسام والانفصال، كحقيقة قائمة في الخبرة الفلسطينية، منذ نشأة الحركة الوطنية الفلسطينة المعاصرة، بكل تشكيلاتها الحزبية والتنظيمة.
ولمن يلاحظ معي فإن أي جسمين قد مسهما الانشطار السياسي لم يعودا للالتحام مجدداً، وهنا يجب أن نمسك بكلمة السر الكامنة وارء استحالة نجاح مساعي المصالحة، وتشبث طرفي الانقسام الفلسطيني بكل أسباب عدم الاستجابة لنداءات إنهاء الانقسام، بالمعنى الذي نتوقعه بين حماس وفتح.
لكن هذا التخلي غير المسؤول؛ الذي لامس حدود التواطؤ، عن وحدة الوطن والتضحية به لصالح مآرب معروفة وأخرى غامضة، وفر فرصة لنضوج فكرة جديدة، قوامها التخلي عن دعوتهما لإنهاء الخصومة بينهما، وعدم دعوتهما لأي نوع من أنواع الحوار، والانصراف إلى صناعة البديل الوطني، الوافدة تفاصيله ومعطياته من الميدان، لاستكمال القيام بوظائفه التي تخلى عنها المنقسمون على أنفسهم وفيما بينهم، وفي مقدمتها مواصلة مناهضة المحتل وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني في دياره.
لأنه لا يمكن لأي شعب حي كالشعب العربي الفلسطيني، الذي تتجدد أجياله أن يبقى منشغلاً أبد الدهر بموضوع واحد، وصرف النظر عن ما تفرضه المتغيرات المعاصرة، التي تطالبه وتلح عليه بتقديم إجابات وردود وبرامج عمل؛ وخطط تكيف معها أو تصدي لها، هذا يعني أن تشكل البديل الطبيعي للموجود، هو أمر من صناعة التاريخ، وليس استبدال القادة السياسيين فقط، بل أرباب الأسر أيضاً؛ الذين قد يتخلوا عن مهامهم الفطرية تجاه أسرهم وبيوتهم، فيحل محلهم الأبناء والبنات، وهذا متغيير قدري لا يمكن اعتراضه، أو الحيلولة دون اكماله لدورته السرمدية، المنتجة للبدائل والدافنة للعوامل التي تعيق مواصلة التاريخ لتقدمه الكاسح الذي يطوي المراحل كطي السجل للكتب.
وهذا ما سيختتم بتجاوز ظاهرة الانقسام، التي عبرت مرحلة اللاحل، والتعامل معه وكأنه غير موجود، والانكباب على الاستثمار في العوامل الجامعة والمنتجة للوحدة التلقائية التي لا تحتاج لجولات حوار، بل لوحدة صف في الميدان، كنموذج مخيم جنين ونابلس، لأن هذا النموذج قادر على خلق برامج توافق وعمل سياسي ووطني جامع ومشترك من أسفل إلى أعلى.
ما أسس لبلورة مدخلاً نظرياً لمراجعة مفهوم الوحدة الوطنية الفلسطينية برمته؛ لأن سنوات الانقسام أنشئت في الظل متغيرين في منتهى الأهمية وهما:
1- على الرغم من الخلاف السياسي المزمن بين (فتح وحماس)، إلا أن جماهير الشعب الفلسطيني لم تظهر المستوى نفسه من الخصومة فيما بينها، بدلالة تعاظم حالات التضامن الدائمة التي يظهرها سكان قطاع غزة مع الضفة الغربية والقدس، عندما تتعرضان لأي خطر، والعكس صحيح، والتضامن الذي أظهره الشعب الفلسطيني مع بعضه البعض خلال جائحة كورنا، وموجات التضامن والمناصرة التي تظهرها الضفة الغربية مع بعضها البعض عندما تتعرض أياً من مدنها وقراها ومخيماتها لأي خطر من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، كنماذج التضامن مع نابلس وحواره وجنين.
2- يفهم من ذلك، أن هناك فرقاً واضحاً بين مفهومي (وحدة فصائل العمل السياسي الفلسطيني) و (وحدة الشعب الفلسطيني) وتطبيقاته الشعبية الواسعة، والمجسدة على الدوام دون إذن من أحد؛ يعني ذلك أن وحدة فصائل العمل السياسي، أو عدم وحدتها لا تعني بالضرورة وحدة أو عدم وحدة الشعب الفلسطيني وتماسك مجتمعه المقاوم، إنما مؤشراً عليه، ولعل مخيم جنين قدم للخبرة الفلسطينية أبهى صورة، حول إمكانية تجاوز انقسام الفصائل، ووضع حد لعبثها المدمر بالمصير الفلسطيني.
ولكل من الحالتين المبينتين أعلاه دلالاتها الاصطلاحية الخاصة بها، وتستمد معياريتها من ذاتها، وتؤثر كل منها في الأخرى تأثيراً نسبياً متفاوتاً، أي إن وحدة الفصائل السياسية هي شكل من أشكال الوحدة الوطنية وأحد روافدها الرئيسة، ولكن غياب هذه الوحدة لا يعني انعدام الوحدة الوطنية بين فئات وشرائح وطبقات الشعب الفلسطيني ومجتمعه المقاوم.
وهذا يتطلب، للمضي قدماً في إنضاج المفهوم كبديل متسق مع الحقائق الصاعدة على هامش الانقسام؛ مواصلة السعي من خلال النخب الاجتماعية والأهلية والاقتصادية، لتقدم الصفوف ومباشرة الضغط غير المسبوق على القوى المتخاصمة في الساحة الفلسطينية، نظراً لمحورية دور الجماهير، كمجسد أول للوحدة الوطنية على الأرض، ومتضرر وحيد من غيابها.
كما أن اختلاف الفصائل السياسية أو ائتلافها، هي حالة من حالات التصارع بين الخصوم الوطنيين لا تنتهي أبداً، ويمكن لروادها تبديل أدواتهم بين الفينة والأخرى، وهي تتراوح من الحوار إلى حسن الجوار إلى استخدام السلاح، كشكل من أشكال الحوار العنيف بينهم، لهذا السبب لن ينقسم الوطن الفلسطيني، ولا الشعب الفلسطيني الذي فوقه، مهما تباينت مواقف فصائل العمل السياسي حول أي موضوع.
يستند كل ذلك، إلى أن الشعب الفلسطيني بكل أطيافه، كونه المصدر الطبيعي والوحيد للوحدة الوطنية، بمقدور نخبه الاجتماعية والاقتصادية، شبابه وشاباته وعائلاته وقبائله المساهمة في تعزيز الوحدة الوطنية من خلال، التحول إلى اعتناق خيارات أكثر نجاعة لتعزيز صمود الناس واستبقاءهم في وطنهم لأطول مدى زمني ممكن.
لأن (فتح وحماس) ليستا المكون الوحيد للوحدة الوطنية الفلسطينية، ولم يمنحهما أحد في يوم من الأيام، حق التحكم بالشعب الفلسطيني أبد الدهر، وإنه بإمكان باقي شرائح وتجمعات الشعب الفلسطيني المساهمة في تجسيد الوحدة الوطنية في الشارع، وتخفيض مستوى تأثير الفصائل المساهمة في زعزعة وحدته ونزع الشرعية الوطنية عنها.
وهذه دعوة لجماهير شعبنا، لتقدم صفوف العمل وتجسيد الوحدة الوطنية على الأرض، لأنها المالك الوحيد لحق تغيير الموجود بقوتها الكاسحة؛ التي تمنح الشرعية للفصائل وتنزعها عنها عندما ترى ذلك ضرورياً وفي مصلحة الوطن.








تعليقات